خطبة عن مكانة القدس وواجب المسلمين نحوها
: خطبة الجمعة..اقرأ وتدبر
موقع النابض دوت كوم يقدم لكم
خطبة مكتوبة ومؤثرة عن القدس فلسطين غزة ومختصرة
وهي كالتالي
خطبة عن مكانة القدس وواجب المسلمين نحوها
الخطبة الأولى
الحمد لله ..
الذي -تعالى- في ملكوته وتقدَّس،
واصطفى من البشر رسلا، ومن البقاع رباعا مباركة وقدَّس،
وجعل القبلةَ الأولى والمحشرَ في الأخرى إلى البيت الْمُقَدَّس،
أشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له،
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، شهادة بها قام الإسلام وعليها تأسَّس،
اللهم صلِّ وسلِّم وبارك على عبدك ورسولك محمد
وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحابته الغُرّ الميامين والتابعين
وَمَنْ تَبِعَهم بإحسان إلى يوم الدين.
= عباد الله :
اتقوا الله -تعالى- أيها المؤمنون
واعلموا أنكم ملاقوه،
وأطيعوا أمره ولا تعصوه،
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ)
[التَّوْبَةِ: 119].
خطَب عمرُ بن الخطاب -رضي الله عنه- بالجابية، وهو في طريقه لاستلام مفاتيح بيت المقدس فقال:
- "أيها الناس، أَصْلِحُوا سرائركم تَصلُحْ علانيتكم، واعملوا لآخرتكم تُكْفَوْا أَمْرَ دنياكم، فمن أراد بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة؛ فإن الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد، وَمَنْ سرَّتْهُ حسنتُه وساءته سيئتُه فهو مؤمن".
= أما بعد:
أيها القدس..
من أين أبدأ يا عيون فلسطين..
وإن في قلب كل مسلم من قضيتك جروحًا دامية،
وفي جفن كل مسلم من مآسيك عَبَرَاتٍ هامية،
وله بإسلامه عهد لفلسطين من يوم اختارها الباري للعروج، إلى السماء ذات البروج.
= يا فلسطينَ الإباء:
إذا كان حُبُّ الأوطان من أثر الهواء والتراب،
والمآربِ التي يُقَضِّيها الشبابُ،
فإنَّ هوى المسلم لكِ أن فيكِ أُولَى القبلتين،
والمسجدَ الأقصى الذي بارك الله حوله،
وأنكِ كنتِ نهايةَ المرحلة الأرضية، وبدايةَ المرحلةِ السماويةِ، من تلك الرحلة الواصلة بين السماء والأرض صعودًا، بعد رحلة آدَمَ الواصلة بينهما هبوطًا؛
وإليكِ إليكِ ترامت هِمَمُ الفاتحينَ،
تَحْمِل الهُدَى والسلام، وشرائعَ الإسلام، وتنقُل النبوَّةَ العامةَ إلى أرض النبوات الخاصة، وثمارَ الوحي الجديد إلى منابت الوحي القديم.
= عباد الله:
إن المسجد الأقصى والأرض المقدسة، وفلسطين وبيت المقدس،
أرض النبوات،
ومسرى الرسول،
وإرثُ الأمةِ الخاتِمة الذي يسكن قلبَ كلِّ مسلم.
كلها بقاعٌ باركها الله وبارك ما حولها،
أكثرُ أرضٍ في هذه الدنيا خَطَا فيها الأنبياءُ،
مازجت نسماتُها أنفاسَهم،
وأصاخت أفياؤها لتراتيلهم ومناجاتهم.
وتبلَّلَ ثراها بدموعهم ودمائهم،
في أوديتها وعلى وهادها درَجَ أكثرُ الأنبياء،
واستقبلت فجاجُهَا وحيَ الله من السماء.
لا يكاد وادٍ من أوديتها لم يشهد مرور نبي،
ولا مَرْجٌ من مروجها لم يسمع تسبيحة رسول،
لو نطقت حجارتها لَرَوَتْ لنا حكايةَ بعثةٍ،
ولو تكلمت جبالها لقصت علينا مولد رسالة،
ولو انحصر ظاهرها عن باطنها لهالتك كثرة مراقد الأنبياء هنالك،
ووفرة رفاة الصالحين والأولياء من كل الشرائع كذلك.
كانت الأجيال التي تتعاقب على ثراها لا تخلو من نبي أو أنبياء،
وكثيرًا ما كان يتوافر عدد من الأنبياء في زمن واحد،
وربما قرية واحدة من قُرَى فلسطين، فضلًا عن المتألِّهين والنُّسَّاك المبثوثينَ
على صُعُداتها كَبَثِّ الربيع أفانينَ الزَّهَر، محاريب المتبتلين تلقاها في منحنيات الأودية، وصوامع المتعبدين وَبِيَعهم نائية عن القرى والأبنية،
عُبِدَ اللهُ فيها زمنا أطول من أزمان بقية الأرض.
= عباد الله :
ولئن كان الضلال في كثير من بقاع الدنيا على هيئة وثنية أو إلحاد فإن الضلال في الشام وبيت المقدس خصوصا إذا وُجِدَ فقد كان تقصيرا في القيام بحقّ رسالة أو تحريفًا لمبادئ نبوة مع بقاء جزء من الحق فيما بين أيديهم من صحائف أو كُتُب؛
لذا كانت فلسطين هي ميراث النبوات وعهد الرسالات وميلاد الشرائع أولى بها وبخلافتها رسل الله وأتباعهم إلى يوم الدين.
وقد كان من أوائلهم إبراهيم الخليل أبو الأنبياء عليه وعليهم السلام والذي لم يكن يهوديا ولا نصرانيا،
وكيف يكون ذلك
(وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ)
[آلِ عِمْرَانَ: 65]،
(وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ)
[آلِ عِمْرَانَ: 67-68].
واستمر ساكن الأرض المقدسة من بعده تسوسهم أنبياؤهم كلما سلف نبي خلفه نبي،
تطاولت بهم الدهور
وتتابعت عليهم الحِقَب،
تعاقبت على فلسطين أمم وتغايرت أَلْسُن حتى أسلم الله مقاليدها لهذه الأمة الوارثة، لوحدانية الرسالات وخلاصة النبوءات، ولرسولها المبشَّر به في كل الأمم السالفة.
صلَّى رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- إلى بيت المقدس بمكة ثلاثة عشر عامًا، وبعد الهجرة إلى المدينة أيضًا سبعة عشر شهرًا حتى نزل القرآن آمِرًا بالتوجه إلى المسجد الحرام؛
والذي ارتبط ارتباطًا أزليًّا بالمسجد الأقصى،
فكان الإسراء إليه والمعراج منه:
(سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ)
[الْإِسْرَاءِ: 1].
عن أبي ذر -رضي الله عنه- قال:
- "قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أِيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ فِي الْأَرْضِ أَوَّلًا؟
قَالَ:
- "الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ"
قَالَ: قُلْتُ:
- ثُمَّ أِيُّ؟
قَالَ:
- "ثُمَّ الْمَسْجِدُ الْأَقْصَى"،
قَالَ: قُلْتُ:
- كَمْ بَيْنَهُمَا؟
قَالَ:
- "أَرْبَعُونَ سَنَةً" الحديثَ... (متفق عليه).
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:
- "لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ: الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى، وَمَسْجِدِي هَذَا"
الحديث... (أخرجه البخاري ومسلم)؛
فهو البيت الذي عظمته الملل،
وأكرمته الرسل،
وتُليت فيه الكتب الأربعة المنزَّلَة من الله عز وجل:
الزبور والتوراة، والإنجيل والقرآن.
= أيها المسلمون:
إن الأرضُ لله يورثها من يشاء،
فكما كانت للمؤمنين قبل بني إسرائيل
فقد كانت للمؤمنين بعدهم
(وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ)
[الْأَنْبِيَاءِ: 105]،
حتى أَذِنَ اللهُ -تعالى- ببعثة سيد الثقلين، وخاتم النبيينَ، وبشارتِهم محمد بن عبد الله الهاشمي القرشي -صلى الله عليه وسلم-،
وكان فتح بيت المقدس إحدى بشاراته كما في صحيح البخاري،
وكانت وراثتُه ووراثةُ أمتِه للأرض المباركة هي سُنَّةَ اللهِ الممتدةَ على مر العصور، ومنذ عَهْدِ إبراهيمَ -عليه السلام-.
وإن صلاة النبي -صلى الله عليه وسلم- بالأنبياء في بيت المقدس ليلةَ الإسراء كانت إعلانًا بأن الإسلام هو كلمة الله الأخيرة إلى البشر،
أخذت تمامَها على يد محمد -صلى الله عليه وسلم-،
وأن آخِر صبغة للمسجد الأقصى هي الصبغة الإسلامية،
فالتصق نَسَبُ المسجدِ الأقصى بهذه الأمة الوارثة.
= عباد الله:
وفي السنة الخامسة عشرة للهجرة تحققت النبوة،
ودخل المسلمون فلسطين وقال البطارقة:
- لا نسلِّم مفاتيحَ بيت المقدس إلا للخليفة عمر بن الخطاب، فإنا نجد صفته في الكتب المقدسة،
وفي لحظة تاريخية جليلة جاء عمر -رضي الله عنه- من المدينة المنورة إلى فلسطين وتسلم مفاتيح بيت المقدس تسلما شريفا في قصة تكتب تفاصيلها بمداد النور وأشرف على مدينة القدس من جبل المكبِّر حيث كبر وكبر معه المسلمون وهناك قال قولته الشهيرة:
- "نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فَمَهْمَا ابتغيتم العزة بغيره أذلكم الله"،
دخل عمر بعزة الإسلام وفتَح القدس بهذه الكلمة العظيمة في يوم من أيام الله وصلى في صدر المسجد مما يلي القبلة،
وسأل عن الصخرة وكانت مدفونة تحت القمامة والزبل، فأزال عنها القَذَر بعباءته وتبعه الناس حتى طهر المكان،
وكتب لعهد البلد عهدا وأمانا وحفظ لأصحاب الشرائع كلهم حقهم، فلم يمنع أحدا من ممارسة منسكه،
ولم يضيِّق على صاحب صومعة أو بيعة،
ولم يهدم جدارا أُسِّس على دين
ولم يُهَجِّر ساكنا ولا مستوطنا، ولم يهدم بيتا ولا معبدا ولا دارا.
وبقيت الكنائس والمعابد من عهده إلى يومنا هذا وطيلة فترة حكم المسلمين مع تتابع قرون لم يتعرض لها أحد،
كل ذلك تَمَّ وعمر أقوى حاكم على وجه الأرض وسلطانه أعز سلطان تحت أديم السماء،
لم تكن حينها منظمات تلاحِظ حقوقَ الإنسان ولا جمعيات تطالِب بتعايُش الأديان، كان الإسلام أسبقَ من ذلك وأولئك، لم يضمّ أحد في سلطان الفتح الإسلامي،
ولك أن تقارِن ذلك بما يحدث الآنَ في ظِلّ المنظمات والجمعيات وبعد إعلان المبادئ والمواثيق، بعد أن مَلَكَ الصهاينةُ مقدارًا قليلا من القوة؛ ليتبين لك الدعوى من الحق، والزيف من الصدق.
= أيها المسلمون، عباد الله:
إن فلسطين لم تكن مجردَ أرض دخلت تحت سلطان المسلمين يومًا من الأيام، ويمكنها في يوم آخَر أن تكون خارجه،
يتبع في الأسفل الخطبة باقي الأولى والثانية مع الدعاء