خطبة عن السنة الهجرية بعنوان وقفات مع الهجرة
خطبة الجمعة (ﻭﻗﻔﺎﺕ ﻣﻊ اﻟﻬﺠﺮﺓ اﻟﻨﺒﻮﻳﺔ)
ﺇﻥ اﻟﺤﻤﺪ ﻟﻠﻪ، ﻧﺤﻤﺪﻙ اﻟﻠﻬﻢ ﻭﻧﺴﺘﻌﻴﻨﻚ ﻭﻧﺴﺘﻬﺪﻳﻚ ﻭﻧﺴﺘﻐﻔﺮﻙ ﻭﻧﺘﻮﺏ ﺇﻟﻴﻚ، ﻭﻧﺜﻨﻲ ﻋﻠﻴﻚ اﻟﺨﻴﺮ ﻛﻠﻪ،
اﻟﻠﻬﻢ ﻟﻚ اﻟﺤﻤﺪ ﻛﻤﺎ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﻟﺠﻼﻝ ﻭﺟﻬﻚ ﻭﻟﻌﻈﻴﻢ ﺳﻠﻄﺎﻧﻚ، ﻟﻚ اﻟﺤﻤﺪ ﺑﺎﻹﺳﻼﻡ ﻭﻟﻚ اﻟﺤﻤﺪ ﺑﺎﻟﻘﺮﺁﻥ، ﻭﻟﻚ اﻟﺤﻤﺪ ﺑﺎﻟﻤﺎﻝ ﻭاﻷﻫﻞ ﻭاﻟﻤﻌﺎﻓﺎﺓ،
ﻛﺒﺖ ﻋﺪﻭﻧﺎ، ﻭﺃﻇﻬﺮﺕ ﺃﻣﻨﻨﺎ ﻭﺟﻤﻌﺖ ﻓﺮﻗﺘﻨﺎ ﻭﻣﻦ ﻛﻞ ﻣﺎ ﺳﺄﻟﻨﺎﻙ ﺭﺑﻨﺎ ﺃﻋﻄﻴﺘﻨﺎ، ﻓﻠﻚ اﻟﺤﻤﺪ ﻭاﻟﺸﻜﺮ ﻋﻠﻰ ﺫﻟﻚ ﻛﺜﻴﺮا،
ﻟﻚ اﻟﺤﻤﺪ ﺣﺘﻰ ﺗﺮﺿﻰ، ﻭﻟﻚ اﻟﺤﻤﺪ ﺇﺫا ﺭﺿﻴﺖ، ﻭﻟﻚ اﻟﺤﻤﺪ ﺑﻌﺪ اﻟﺮﺿﺎ، ﻭﻟﻚ اﻟﺤﻤﺪ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﺣﺎﻝ، ﺳﺒﺤﺎﻧﻚ ﻻ ﻧﺤﺼﻲ ﺛﻨﺎء ﻋﻠﻴﻚ ﺃﻧﺖ ﻛﻤﺎ ﺃﺛﻨﻴﺖ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺴﻚ،
ﻭأﺸﻬﺪ ﺃﻥ ﻻ ﺇﻟﻪ ﺇﻻ ﺃﻧﺖ ﺳﺒﺤﺎﻧﻚ ﺃﻧﺖ اﻟﻮاﺣﺪ ﻓﻼ ﺷﺮﻳﻚ ﻟﻚ، ﻭاﻷﺣﺪ ﻓﻼ ﻧﺪ ﻟﻚ، ﺷﺮﻋﺖ اﻟﻬﺠﺮﺓ ﻭاﻟﺠﻬﺎﺩ، ﻟﺪﺭء اﻟﺸﺮ ﻭاﻟﻔﺴﺎﺩ ﻭﻭﻋﺪﺕ ﻋﺒﺎﺩﻙ اﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ﺑﺎﻟﻨﺼﺮ ﻭاﻟﻔﺘﺢ اﻟﻤﺒﻴﻦ، ﻭاﻟﻌﺰ ﻭاﻟﺘﺄﻳﻴﺪ ﻭاﻟﺘﻤﻜﻴﻦ.
ﻭأﺸﻬﺪ ﺃﻥ ﻧﺒﻴﻨﺎ ﻣﺤﻤﺪا ﻋﺒﺪﻙ ﻭﺭﺳﻮﻟﻚ، ﻭﻣﺼﻄﻔﺎﻙ ﻭﺧﻠﻴﻠﻚ، ﺷﻜﺮ ﻧﻌﻤﺘﻚ ﻭﺣﻘﻖ ﻋﺒﺎﺩﺗﻚ، ﻭﺑﻠﻎ ﺷﺮﻳﻌﺘﻚ، ﻭﻧﺼﺢ ﺧﻠﻴﻘﺘﻚ، ﻭﻫﺎﺟﺮ ﻭﺟﺎﻫﺪ ﻹﻋﻼء ﻛﻠﻤﺘﻚ، اﻟﻠﻬﻢ ﺻﻞ ﻋﻠﻰ ﻣﺤﻤﺪ ﻭﻋﻠﻰ ﺁﻝ ﻣﺤﻤﺪ ﻛﻤﺎ ﺻﻠﻴﺖ ﻋﻠﻰ ﺇﺑﺮاﻫﻴﻢ ﺇﻧﻚ ﺣﻤﻴﺪ ﻣﺠﻴﺪ، ﻭﺑﺎﺭﻙ ﻋﻠﻰ ﻣﺤﻤﺪ ﻭﻋﻠﻰ ﺁﻝ ﻣﺤﻤﺪ ﻛﻤﺎ ﺑﺎﺭﻛﺖ ﻋﻠﻰ ﺇﺑﺮاﻫﻴﻢ ﻭﻋﻠﻰ ﺁﻝ ﺇﺑﺮاﻫﻴﻢ ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟﻤﻴﻦ ﺇﻧﻚ ﺣﻤﻴﺪ ﻣﺠﻴﺪ، ﻭﺳﻠﻢ ﺗﺴﻠﻴﻤﺎ ﻛﺜﻴﺮا.
ﺃﻣﺎ ﺑﻌﺪ:-
ﻓﻴﺎ ﺃﻳﻬﺎ اﻟﻨﺎﺱ: اﺗﻘﻮا اﻟﻠﻪ ﺭﺑﻜﻢ، ﻓﺈﻧﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ ﺣﻘﻴﻖ ﺃﻥ ﻳﺘﻘﻰ، ﺑﺄﻥ ﻳﻄﺎﻉ ﻓﻼ ﻳﻌﺼﻰ، ﻭﻳﺬﻛﺮ ﻓﻼ ﻳﻨﺴﻰ، ﻭﻳﺸﻜﺮ ﻓﻼ ﻳﻜﻔﺮ: {ﺃﻓﻐﻴﺮ اﻟﻠﻪ ﺗﺘﻘﻮﻥ} [ اﻟﻨﺤﻞ:52]
.
ﺃﻣﺔ اﻹﺳﻼﻡ: ﻓﻲ ﻣﻄﻠﻊ ﻛﻞ ﺳﻨﺔ ﻫﺠﺮﻳﺔ، ﻭﻣﻊ ﺇﻃﻼﻟﺔ ﻛﻞ ﻋﺎﻡ ﺟﺪﻳﺪ، ﺗﺒﺮﺯ ﻓﻲ ﺗﺎﺭﻳﺨﻨﺎ اﻹﺳﻼﻣﻲ اﻟﻤﺠﻴﺪ ﺃﺣﺪاﺙ ﻋﻈﺎﻡ ﻭﻭﻗﺎﺋﻊ ﺟﺴﺎﻡ، ﻟﻬﺎ ﻣﻜﺎﻧﺘﻬﺎ ﻋﻨﺪ ﺃﻫﻞ اﻹﺳﻼﻡ، ﻭﻟﻬﺎ ﺃﺛﺮﻫﺎ اﻟﺒﺎﻟﻎ ﻓﻲ ﻋﺰ ﻫﺬﻩ اﻷﻣﺔ، ﻭﻧﺼﺮﻫﺎ ﻭﻗﻮﺗﻬﺎ، ﻭﺻﻼﺡ ﺷﺮﻳﻌﺘﻬﺎ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺯﻣﺎﻥ ﻭﻣﻜﺎﻥ، ﻭﺗﺤﻘﻴﻘﻬﺎ ﺳﻌﺎﺩﺓ اﻟﺒﻼﺩ ﻭاﻟﻌﺒﺎﺩ ﻓﻲ ﺃﻣﻮﺭ اﻟﻤﻌﺎﺵ ﻭاﻟﻤﻌﺎﺩ.
ﺃﻳﻬﺎ اﻹﺧﻮﺓ ﻓﻲ اﻟﻠﻪ: ﻣﺎ ﺃﺟﻤﻞ ﺃﻥ ﻧﻘﻒ ﺑﻌﺾ اﻟﻮﻗﻔﺎﺕ ﻣﻊ ﻋﺪﺓ ﻗﻀﺎﻳﺎ ﻣﻬﻤﺔ، ﺟﺪﻳﺮﺓ ﺑﺎﻟﺘﻨﺒﻴﻪ ﻭاﻹﺷﺎﺩﺓ، ﻭﺣَﺮِﻳﺔ ﺑﺎﻟﺘﺬﻛﻴﺮ ﻭاﻹﻓﺎﺩﺓ، ﻻ ﺳﻴﻤﺎ ﻭﻧﺤﻦ ﻧﻌﻴﺶ ﻣﻊ ﺇﺷﺮاﻗﺔ ﻋﺎﻡ ﻫﺠﺮﻱ ﺟﺪﻳﺪ، ﻋﻞ ﻫﺬﻩ اﻟﻮﻗﻔﺎﺕ ﺗﻜﻮﻥ ﺳﺒﺒﺎ ﻓﻲ ﺗﺤﺮﻳﻚ اﻟﻬﻤﻢ ﻭاﺳﺘﻨﻬﺎﺽ اﻟﻌﺰاﺋﻢ ﻟﻠﺘﻤﺴﻚ اﻟﺠﺎﺩ ﺑﻜﺘﺎﺏ اﻟﻠﻪ ﻭﺳﻨﺔ ﺭﺳﻮﻟﻪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ، ﻣﺼﺪﺭ اﻟﻌﺰﺓ ﻭاﻟﻘﻮﺓ ﻭاﻟﺘﻮﻓﻴﻖ ﻓﻲ اﻟﺪاﺭﻳﻦ، ﻭاﻟﺨﻴﺮ ﻭاﻟﺴﻌﺎﺩﺓ ﻓﻲ اﻟﺤﻴﺎﺗﻴﻦ.
ﺇﺧﻮﺓ الإيمان : ﻭﺇﻥ ﺃﻭﻝ ﻫﺬﻩ اﻟﻮﻗﻔﺎﺕ اﻟﺠﺪﻳﺮﺓ ﺑﺎﻟﺘﻨﻮﻳﻪ ﻭاﻟﻌﻨﺎﻳﺔ، ﻭاﻻﻫﺘﻤﺎﻡ ﻭاﻟﺮﻋﺎﻳﺔ، ﻣﻊ ﺣﺪﺙ ﻻ ﻛﺎﻷﺣﺪاﺙ، ﺣﺪﺙ ﻏﻴﺮ ﻣﺠﺮﻯ اﻟﺘﺎﺭﻳﺦ، ﺣﺪﺙ ﻳﺤﻤﻞ ﻓﻲ ﻃﻴﺎﺗﻪ ﻣﻌﺎﻧﻲ اﻟﺸﺠﺎﻋﺔ ﻭاﻟﺘﻀﺤﻴﺔ ﻭاﻟﺼﺒﺮ ﻭاﻟﻔﺪاء، ﻭاﻟﻌﺰﺓ ﻭاﻟﻘﻮﺓ ﻭاﻹﺧﺎء، ﻭاﻟﺘﻮﻛﻞ ﻋﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻭﺣﺪﻩ ﻣﻬﻤﺎ ﺑﻠﻎ ﻛﻴﺪ اﻷﻋﺪاء، ﺫﻟﻜﻢ ﻫﻮ ﺣﺪﺙ اﻟﻬﺠﺮﺓ اﻟﻨﺒﻮﻳﺔ ﻋﻠﻰ ﺻﺎﺣﺒﻬﺎ ﺃﻓﻀﻞ ﺻﻼﺓ ﻭﺃﺯﻛﻰ ﺗﺤﻴﺔ، ﺫﻟﻜﻢ اﻟﺤﺪﺙ اﻟﺬﻱ ﺟﻌﻠﻪ اﻟﻠﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ ﻃﺮﻳﻘﺎ ﻟﻠﻨﺼﺮ ﻭاﻟﻌﺰﺓ ﻭاﻟﻜﺮاﻣﺔ، ﻭﺭﻓﻌﺎ ﻟﺮاﻳﺔ اﻹﺳﻼﻡ، ﻭﺗﺸﻴﻴﺪا ﻟﺪﻭﻟﺘﻪ، ﻭﺇﻗﺎﻣﺔ ﺻﺮﺡ ﺣﻀﺎﺭﺗﻪ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻘﻴﺪﺓ اﻟﺨﺎﻟﺼﺔ ﻭاﻟﻮﺣﺪﺓ اﻟﺼﺎﺩﻗﺔ: {ﺇﻻ ﺗﻨﺼﺮﻭﻩ ﻓﻘﺪ ﻧﺼﺮﻩ اﻟﻠﻪ ﺇﺫ ﺃﺧﺮﺟﻪ اﻟﺬﻳﻦ ﻛﻔﺮﻭا ﺛﺎﻧﻲ اﺛﻨﻴﻦ ﺇﺫ ﻫﻤﺎ ﻓﻲ اﻟﻐﺎﺭ ﺇﺫ ﻳﻘﻮﻝ ﻟﺼﺎﺣﺒﻪ ﻻ ﺗﺤﺰﻥ ﺇﻥ اﻟﻠﻪ ﻣﻌﻨﺎ} [ اﻟﺘﻮﺑﺔ:40]
.
ﺃﻳﻬﺎ اﻟﻤﺴﻠﻤﻮﻥ: ﺇﻧﻪ ﻟﻤﺎ اﺷﺘﺪ ﺃﺫﻯ اﻟﻜﻔﺎﺭ ﺑﺮﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﺑـ ﻣﻜﺔ، ﺃﺫﻥ اﻟﻠﻪ ﻟﻪ ﺑﺎﻟﻬﺠﺮﺓ ﺇﻟﻰ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ اﻟﻨﺒﻮﻳﺔ اﻟﻤﻨﻮﺭﺓ، ﻓﺨﺮﺝ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺼﻼﺓ ﻭاﻟﺴﻼﻡ ﻣﻦ ﺑﻴﺘﻪ ﻳﺘﺤﺪﻯ ﺃﻋﺪاءﻩ، ﻭﻳﻔﻮﺕ اﻟﻔﺮﺻﺔ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻓﻲ ﺗﺪﺑﻴﺮﻫﻢ ﻭﻣﻜﺮﻫﻢ: {ﻭﺇﺫ ﻳﻤﻜﺮ ﺑﻚ اﻟﺬﻳﻦ ﻛﻔﺮﻭا ﻟﻴﺜﺒﺘﻮﻙ ﺃﻭ ﻳﻘﺘﻠﻮﻙ ﺃﻭ ﻳﺨﺮﺟﻮﻙ ﻭﻳﻤﻜﺮﻭﻥ ﻭﻳﻤﻜﺮ اﻟﻠﻪ ﻭاﻟﻠﻪ ﺧﻴﺮ اﻟﻤﺎﻛﺮﻳﻦ}
[ اﻷﻧﻔﺎﻝ:30]
ﻓﺨﺮﺝ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻭﺑﺮﻓﻘﺘﻪ ﺻﺎﺣﺒﻪ اﻟﺼﺪﻳﻖ ﺭﺿﻲ اﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ، اﻟﺬﻱ ﺿﺮﺏ ﻣﺜﻼ ﺭاﺋﻌﺎ ﻓﻲ ﻧﺼﺮﺗﻪ ﻭﻓﺪاﺋﻪ ﻟﺮﺳﻮﻝ اﻟﻬﺪﻯ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﺑﺄﺑﻲ ﻫﻮ ﻭﺃﻣﻲ، ﻭﺷﻔﻘﺘﻪ ﻋﻠﻰ ﺣﻴﺎﺗﻪ، ﻓﻔﻲ اﻟﻐﺎﺭ ﻳﻘﻮﻝ ﺃﺑﻮ ﺑﻜﺮ اﻟﺼﺪﻳﻖ ﺭﺿﻲ اﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ:
[ ﻳﺎ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ! ﻟﻮ ﻧﻈﺮ ﺃﺣﺪﻫﻢ ﺇﻟﻰ ﻣﻮﺿﻊ ﻗﺪﻣﻴﻪ ﻷﺑﺼﺮﻧﺎ]
ﻓﻴﺠﻴﺒﻪ اﻟﻤﺼﻄﻔﻰ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﺑﺠﻮاﺏ اﻟﻮاﺛﻖ ﺑﻨﺼﺮ اﻟﻠﻪ، اﻟﻤﻄﻤﺌﻦ ﻟﻮﻋﺪ اﻟﻠﻪ: {ﻳﺎ ﺃﺑﺎ ﺑﻜﺮ! ﻣﺎ ﻇﻨﻚ ﺑﺎﺛﻨﻴﻦ اﻟﻠﻪ ﺛﺎﻟﺜﻬﻤﺎ}
اﻟﻠﻪ ﺃﻛﺒﺮ! ﻳﺎﻟﻪ ﻣﻦ ﺩﺭﺱ ﻋﻈﻴﻢ ﻓﻲ ﻧﺼﺮﺓ اﻟﻠﻪ ﺟﻞ ﻭﻋﻼ ﻷﻭﻟﻴﺎﺋﻪ، ﻭﻋﺪﻡ ﺗﺨﻠﻴﻪ ﻋﻨﻬﻢ ﻻ ﺳﻴﻤﺎ ﻓﻲ اﻟﺸﺪاﺋﺪ!
ﻭﻓﻲ ﻣﻮﻗﻒ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﺃﺑﻲ ﺑﻜﺮ ﺭﺿﻲ اﻟﻠﻪ ﻋﻨﻬﻤﺎ ﻓﻲ ﺧﺪﻣﺔ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻭﺻﺎﺣﺒﻪ ﻣﺜﻞ ﻳﺤﺘﺬﻯ ﻟﺸﺒﺎﺏ اﻹﺳﻼﻡ ﻓﻲ ﺃﺛﺮﻫﻢ اﻟﺒﺎﻟﻎ ﻓﻲ اﻻﺿﻄﻼﻉ ﺑﺄﻣﺮ اﻟﺪﻋﻮﺓ ﺇﻟﻰ اﻟﻠﻪ، ﻛﻤﺎ ﺃﻥ ﻓﻲ ﻣﻮﻗﻒ ﺃﺳﻤﺎء ﺑﻨﺖ ﺃﺑﻲ ﺑﻜﺮ ﺭﺿﻲ اﻟﻠﻪ ﻋﻨﻬﻤﺎ ﻣﺎ ﻳﻘﺮﺭ ﻣﻜﺎﻧﺔ اﻟﻤﺮﺃﺓ اﻟﻤﺴﻠﻤﺔ ﻭﺃﺛﺮﻫﺎ اﻟﻌﻈﻴﻢ ﻓﻲ ﻧﺠﺎﺡ اﻟﺪﻋﻮﺓ ﻭﺇﻋﺪاﺩ اﻟﺪﻋﺎﺓ، ﻭﻛﻢ ﻓﻲ اﻟﻬﺠﺮﺓ اﻟﻨﺒﻮﻳﺔ ﻣﻦ ﺩﺭﻭﺱ ﺗﺤﺘﺬﻯ ﻭﻋﺒﺮ ﺗﻘﺘﻔﻰ، ﻟﻮ ﺭﺟﻊ اﻟﻤﺴﻠﻤﻮﻥ ﻟﺪﻳﻨﻬﻢ ﻭاﻋﺘﺰﻭا ﺑﺘﺎﺭﻳﺨﻬﻢ ﻭﺛﻮاﺑﺘﻬﻢ، ﻭﺃﻣﻌﻨﻮا اﻟﻨﻈﺮ ﻓﻲ ﺳﻴﺮﺓ ﺭﺳﻮﻟﻬﻢ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ، ﻻ ﺳﻴﻤﺎ ﻭاﻷﻣﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ اﻟﻴﻮﻡ ﺗﻌﻴﺶ ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻢ ﻋﺼﻔﺖ ﻓﻴﻪ ﺃﻣﻮاﺝ اﻟﻤﺤﻦ، ﻭﻫﺒﺖ ﻓﻴﻪ ﺃﻋﺎﺻﻴﺮ اﻟﻔﺘﻦ، ﺣﺘﻰ ﺃﺻﺒﺤﺖ ﺃﻣﺘﻨﺎ ﺣﺒﻠﻰ ﺑﺎﻟﻤﺸﻜﻼﺕ، ﻭﺛﻜﻠﻰ ﺑﺎﻟﻔﺘﻦ ﻭاﻟﻤﻌﻀﻼﺕ، ﺿﻌﻒ ﻭﻓﺮﻗﺔ ﻭﺧﻼﻓﺎﺕ، ﺫﻟﺔ ﻭﻣﻬﺎﻧﺔ ﻭﻣﻨﺎﺯﻋﺎﺕ، ﺣﺮﻭﺏ ﻭﻧﻜﺒﺎﺕ، ﻛﻮاﺭﺙ ﻭﺗﺤﺪﻳﺎﺕ، ﻣﺎ ﻫﻲ ﺁﺧﺮ اﻷﻧﺒﺎء ﻓﻲ ﺃﺭﺿﻨﺎ اﻟﻤﺒﺎﺭﻛﺔ، ﻓﻠﺴﻄﻴﻦ اﻟﻤﺴﻠﻤﺔ اﻟﻤﺠﺎﻫﺪﺓ؟ ﻭﻗﺪﺳﻨﺎ اﻟﺴﻠﻴﺐ ﻭﺃﻗﺼﺎﻧﺎ اﻟﺤﺒﻴﺐ؟ ﻣﺎ ﻫﻲ ﺃﻭﺿﺎﻉ ﺇﺧﻮاﻧﻨﺎ ﻓﻲ اﻟﻌﻘﻴﺪﺓ ﻭﺃﺣﻮاﻝ اﻷﻗﻠﻴﺎﺕ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﻓﻲ ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺑﻘﺎﻉ اﻟﻌﺎﻟﻢ؟ ﺇﻟﻰ ﺃﻱ ﺣﺎﻝ ﺃﺩﻯ اﻟﺸﻘﺎﻕ ﻭاﻟﻨﺰاﻉ ﺑﻴﻦ ﺃﺑﻨﺎء اﻹﺳﻼﻡ؟! ﻛﻴﻒ ﻭﻣﻦ ﺩﺭﻭﺱ اﻟﻬﺠﺮﺓ ﻭﺛﻤﺮاﺗﻬﺎ ﺗﺮﺳﻴﺦ ﻣﺒﺪﺃ اﻷﺧﻮﺓ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﻭاﻟﻮﺣﺪﺓ اﻹﻳﻤﺎﻧﻴﺔ؟ ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﻳﺤﺪ ﻣﻦ ﻛﻴﺪ ﺳﻴﻄﺮﺓ ﺃﻋﺪاء اﻹﺳﻼﻡ ﻭﻏﺰﻭﻫﻢ ﻋﺴﻜﺮﻳﺎ ﻭﻓﻜﺮﻳﺎ ﻭﺛﻘﺎﻓﻴﺎ ﻭﺧﻠﻘﻴﺎ ﻭﺇﻋﻼﻣﻴﺎ ﻟﺒﻼﺩ اﻹﺳﻼﻡ، ﻛﻞ ﺫﻟﻚ ﻭﻏﻴﺮﻩ ﻣﻦ ﻏﻴﻮﻡ اﻟﻔﺘﻦ ﻭﺳﺤﺐ اﻟﻤﺤﻦ، ﻳﺘﻄﻠﺐ ﻣﻦ ﺃﻣﺔ اﻹﺳﻼﻡ ﺣﻠﻮﻻ ﻋﺎﺟﻠﺔ ﻣﻊ ﺇﻃﻼﻟﺔ ﻫﺬا اﻟﻌﺎﻡ اﻟﺘﻲ ﺗﺮﺗﺴﻢ ﻋﻠﻰ ﻣﺤﻴﺎﻩ ﺑﺴﻤﺎﺕ اﻟﺘﻔﺎﺅﻝ، ﻭﺗﺒﺮﻕ ﻓﻲ ﺁﻓﺎﻗﻪ ﻓﻠﻮﻝ ﻣﻦ اﻵﻣﺎﻝ اﻟﻌﺮﻳﻀﺔ، ﻭاﻟﺘﻄﻠﻌﺎﺕ ﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ ﺃﻓﻀﻞ، ﺗﺘﺒﺪﺩ ﻓﻴﻪ ﺳﺤﺐ اﻵﻻﻡ ﻭاﻷﺣﺰاﻥ ﻋﻦ ﻛﻞ ﺑﻼﺩ اﻹﺳﻼﻡ ﻭﻣﺎ ﺫﻟﻚ ﻋﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﺑﻌﺰﻳﺰ.
ﺃﻣﺔ اﻟﻬﺠﺮﺓ ﻭاﻟﺠﻬﺎﺩ: ﺇﻥ ﻣﻦ ﺃﺑﺮﺯ ﻣﺎ ﻳﺼﻮﺭ ﻣﻌﺎﻧﻲ اﻟﻬﺠﺮﺓ -ﻳﺎ ﺭﻋﺎﻛﻢ اﻟﻠﻪ- اﻷﺧﺬ ﺑﺘﻌﺎﻟﻴﻢ اﻹﺳﻼﻡ اﻟﺘﻲ ﺟﺎء ﺑﻬﺎ ﺻﺎﺣﺐ اﻟﻬﺠﺮﺓ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ، ﻭاﻟﺘﺠﺎﻓﻲ ﻋﻦ اﻟﻬﺒﻮﻁ ﺇﻟﻰ ﻣﺴﺘﻨﻘﻌﺎﺕ اﻟﻤﻌﺎﺻﻲ ﻭاﻵﺛﺎﻡ، ﻭﻫﺬﻩ ﻫﺠﺮﺓ ﻻ ﻳﻌﺬﺭ ﻣﺴﻠﻢ ﻓﻲ ﺗﺮﻛﻬﺎ ﻟﻘﻮﻟﻪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ: {اﻟﻤﺴﻠﻢ ﻣﻦ ﺳﻠﻢ اﻟﻤﺴﻠﻤﻮﻥ ﻣﻦ ﻟﺴﺎﻧﻪ ﻭﻳﺪﻩ، ﻭاﻟﻤﻬﺎﺟﺮ ﻣﻦ ﻫﺠﺮ ﻣﺎ ﻧﻬﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ}
ﺃﺧﺮﺟﻪ اﻟﺒﺨﺎﺭﻱ ﻣﻦ ﺣﺪﻳﺚ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﻋﻤﺮﻭ ﺭﺿﻲ اﻟﻠﻪ ﻋﻨﻬﻤﺎ.
ﻭﻣﻦ ﺃﻛﺒﺮ ﻣﺎ ﻳﺘﺮﺟﻢ ﻋﻨﺎﻳﺔ اﻷﻣﺔ ﺑﺎﻟﻬﺠﺮﺓ اﻟﻨﺒﻮﻳﺔ، ﻫﻮ اﻟﺘﻤﺴﻚ ﺑﻤﻨﻬﺞ ﺻﺎﺣﺐ اﻟﻬﺠﺮﺓ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺼﻼﺓ ﻭاﻟﺴﻼﻡ، ﻭاﻟﺘﺰاﻡ ﺳﻨﺘﻪ ﻭﺃﻃﺮ اﻟﻨﻔﻮﺱ ﻋﻠﻰ اﻟﻬﺠﺮﺓ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺻﻮﺭﻫﺎ ﻭﻣﻌﺎﻧﻴﻬﺎ، ﺇﻣﺎ ﺑﻤﻌﻨﺎﻫﺎ اﻟﺸﺮﻋﻲ اﻟﺨﺎﺹ، ﺑﺎﻻﻧﺘﻘﺎﻝ ﺇﻟﻰ ﺣﻴﺚ اﻟﻌﺰﺓ ﻭاﻟﻤﻨﻌﺔ ﻭﺇﻗﺎﻣﺔ اﻟﺪﻳﻦ، ﺃﻭ ﺑﻤﻌﻨﺎﻫﺎ اﻟﻌﺎﻡ ﺑﻬﺠﺮ اﻟﻤﻌﺎﺻﻲ ﺑﻜﻞ ﺃﻧﻮاﻋﻬﺎ، ﻭﺇﻥ ﻭﻗﺎﺋﻊ اﻟﻬﺠﺮﺓ اﻟﻨﺒﻮﻳﺔ -ﻳﺎ ﻋﺒﺎﺩ اﻟﻠﻪ- ﻟﻴﺴﺖ ﻗﺼﺼﺎ ﺗﻮﺭﺩ ﻭﻻ ﺭﻭاﻳﺎﺕ ﺗﺴﺮﺩ، ﻭﻻﻧﻌﻮﺗﺎ ﻭﻣﺪاﺋﺢ ﺗﺮﺩﺩ، ﻭﻻ اﺣﺘﻔﺎﻻﺕ ﺗﻘﺎﻡ، ﻟﻜﻨﻬﺎ ﻋﻘﻴﺪﺓ ﻭاﻧﺘﻤﺎء، ﻭﻋﻤﻞ ﻭاﻫﺪاء، ﻭاﺗﺒﺎﻉ ﻭاﻗﺘﺪاء، ﻭﺟﻬﺎﺩ ﻭاﻓﺘﺪاء، ﻭاﻟﻠﻪ ﻋﺰ ﻭﺟﻞ ﻳﻘﻮﻝ: {ﻭاﻟﺬﻳﻦ ﺟﺎﻫﺪﻭا ﻓﻴﻨﺎ ﻟﻨﻬﺪﻳﻨﻬﻢ ﺳﺒﻠﻨﺎ ﻭﺇﻥ اﻟﻠﻪ ﻟﻤﻊ اﻟﻤﺤﺴﻨﻴﻦ}
[ اﻟﻌﻨﻜﺒﻮﺕ:69]
.
ﻳﺎ ﺃﻣﺔ ﻣﺤﻤﺪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ: ﺇﻥ ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﺤﺪﺙ اﻟﻌﻈﻴﻢ ﻣﻦ اﻟﺪﺭﻭﺱ ﻭاﻟﻌﺒﺮ ﻣﺎ ﻟﻮ اﺳﺘﻠﻬﻤﺘﻪ ﺃﻣﺔ اﻹﺳﻼﻡ اﻟﻴﻮﻡ ﻭﻋﻤﻠﺖ ﻋﻠﻰ ﺿﻮﺋﻪ ﻟﺘﺤﻘﻖ ﻟﻬﺎ ﻋﺰﻫﺎ اﻟﻤﻨﺸﻮﺩ، ﻭﻣﺠﺪﻫﺎ اﻟﻤﻔﻘﻮﺩ، ﻭﻣﻜﺎﻧﺘﻬﺎ اﻟﻤﺮﻣﻮﻗﺔ ﺑﻴﻦ اﻟﻌﺎﻟﻤﻴﻦ، ﻭﻟﻌﻠﻤﺖ ﻋﻠﻢ اﻟﻴﻘﻴﻦ ﻭﻫﻲ ﺗﻌﻴﺶ ﻋﻠﻰ ﺃﺑﻮاﺏ ﻗﺮﻥ ﺟﺪﻳﺪ، ﺑﻞ ﻋﻠﻰ ﻣﻔﺘﺮﻕ ﻃﺮﻕ ﻭﺗﺸﻌﺐ ﺳﺒﻞ، ﺃﻧﻪ ﻻ ﺣﻞ ﻟﻤﺸﻜﻼﺗﻬﺎ، ﻭﻻ ﺻﻼﺡ ﻷﺣﻮاﻟﻬﺎ ﺇﻻ ﺑﺎﻟﺘﻤﺴﻚ ﺑﺈﺳﻼﻣﻬﺎ، ﻭاﻟﺘﺰاﻣﻬﺎ ﺑﺈﻳﻤﺎﻧﻬﺎ ﻭﻋﻘﻴﺪﺗﻬﺎ، ﻓﻮاﻟﻠﻪ ﺛﻢ ﻭاﻟﻠﻪ ﻣﺎ ﻗﺎﻣﺖ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﻋﺒﺮ اﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﺇﻻ ﺑﻘﻴﺎﻡ اﻟﺪﻳﻦ، ﻭﻻ ﻧﺎﻝ اﻟﻌﺰ ﻭاﻟﻨﺼﺮ ﻭاﻟﺘﻤﻜﻴﻦ ﺇﻻ ﻟﻤﺎ ﺧﻀﻌﻮا ﻟﺮﺏ اﻟﻌﺎﻟﻤﻴﻦ، ﻭﻫﻴﻬﺎﺕ ﻫﻴﻬﺎﺕ ﺃﻥ ﻳﺤﻞ ﺃﻣﻦ ﻭﺃﻣﺎﻥ، ﻭﺭﺧﺎء ﻭﺳﻼﻡ ﻭاﻃﻤﺌﻨﺎﻥ، ﺇﻻ ﺑﺎﺗﺒﺎﻉ ﻧﻬﺞ اﻷﻧﺒﻴﺎء ﻋﻠﻴﻬﻢ اﻟﺴﻼﻡ: {ﻓﻤﻦ اﺗﺒﻊ ﻫﺪاﻱ ﻓﻼ ﻳﻀﻞ ﻭﻻ ﻳﺸﻘﻰ * ﻭﻣﻦ ﺃﻋﺮﺽ ﻋﻦ ﺫﻛﺮﻱ ﻓﺈﻥ ﻟﻪ ﻣﻌﻴﺸﺔ ﺿﻨﻜﺎ ﻭﻧﺤﺸﺮﻩ ﻳﻮﻡ اﻟﻘﻴﺎﻣﺔ ﺃﻋﻤﻰ} [ ﻃﻪ:123 - 124]
ﺇﻧﻪ ﻣﺘﻰ ﺗﺬﻛﺮ اﻟﻤﺴﻠﻤﻮﻥ ﻫﺬﻩ اﻟﺤﻘﺎﺋﻖ اﻟﻨﺎﺻﻌﺔ، ﻭﻋﻤﻠﻮا ﻋﻠﻰ ﺗﻄﺒﻴﻘﻬﺎ ﻓﻲ ﻭاﻗﻊ ﺣﻴﺎﺗﻬﻢ، ﻛﺎﻧﺖ ﻫﻲ اﻟﺴﻼﺡ اﻟﻔﺎﻋﻞ اﻟﺘﻲ ﺗﻘﺎﺗﻞ ﺑﻪ، ﻭاﻟﺤﺼﻦ اﻟﺤﺼﻴﻦ، ﻭاﻟﺪﺭﻉ اﻟﻮاﻗﻲ اﻟﻤﺘﻴﻦ اﻟﺬﻱ ﺗﺘﻘﻲ ﺑﻪ ﻓﻲ ﻭﺟﻪ اﻟﻬﺠﻤﺎﺕ اﻟﻜﺎﺳﺤﺔ، ﻭاﻟﺘﻜﺘﻼﺕ اﻟﻌﺎﻟﻤﻴﺔ ﻭاﻟﻤﺆاﻣﺮاﺕ اﻟﺪﻭﻟﻴﺔ، ﻭاﻟﺼﺮاﻉ اﻟﺘﻲ ﺗﻌﻴﺸﻪ ﻗﻮﻯ اﻷﺭﺽ ﺟﻤﻴﻌﺎ، ﻓﺎﻟﻘﻮﺓ ﻟﻠﻪ ﻭﺣﺪﻩ: {ﻭﻟﻮ ﻳﺮﻯ اﻟﺬﻳﻦ ﻇﻠﻤﻮا ﺇﺫ ﻳﺮﻭﻥ اﻟﻌﺬاﺏ ﺃﻥ اﻟﻘﻮﺓ ﻟﻠﻪ ﺟﻤﻴﻌﺎ}
[ اﻟﺒﻘﺮﺓ:165]
ﻣﻌﺎﺷﺮ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ: اﻟﻮﻗﻔﺔ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ، ﻭﻗﻔﺔ ﻣﻊ ﻗﻀﻴﺔ ﺗﻌﺒﺮ ﻋﻦ اﻋﺘﺰاﺯ ﻫﺬﻩ اﻷﻣﺔ ﺑﺸﺨﺼﻴﺘﻬﺎ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ، ﻭﺗﺒﺮﻫﻦ ﻟﻠﻌﺎﻟﻢ ﺑﺄﺳﺮﻩ ﻋﻦ اﺳﺘﻘﻼﻝ ﻫﺬﻩ اﻷﻣﺔ ﺑﻤﻨﻬﺠﻬﺎ اﻟﻤﺘﻤﻴﺰ اﻟﻤﺴﺘﻘﻰ ﻣﻦ ﻋﻘﻴﺪﺗﻬﺎ ﻭﺗﺎﺭﻳﺨﻬﺎ ﻭﺣﻀﺎﺭﺗﻬﺎ ﻭﺛﻮاﺑﺘﻬﺎ، ﺇﻧﻬﺎ ﻗﻀﻴﺔ ﺃﺟﻤﻊ ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻟﻤﺴﻠﻤﻮﻥ ﻓﻲ ﻋﻬﺪ ﻋﻤﺮ ﺑﻦ اﻟﺨﻄﺎﺏ ﺭﺿﻲ اﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ، ﺇﻧﻬﺎ اﻟﺘﻮﻗﻴﺖ ﻭاﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﺑﺎﻟﻬﺠﺮﺓ اﻟﻨﺒﻮﻳﺔ اﻟﻤﺒﺎﺭﻛﺔ، ﻭﻛﻢ ﻟﻬﺬﻩ اﻟﻘﻀﻴﺔ ﻣﻦ ﻣﻐﺰﻯ ﻋﻈﻴﻢ، ﻳﺠﺪﺭ ﺑﺄﻣﺔ اﻹﺳﻼﻡ اﻟﻴﻮﻡ ﺗﺬﻛﺮﻩ، ﻻﺳﻴﻤﺎ ﻭﻗﺪ ﻓﺘﻦ ﺑﻌﺾ ﺃﺑﻨﺎﺋﻬﺎ ﺑﺘﻘﻠﻴﺪ ﻏﻴﺮ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻭاﻟﺘﺸﺒﻪ ﺑﻬﻢ ﻓﻲ ﺗﺎﺭﻳﺨﻬﻢ ﻭﺳﻠﻮﻛﻬﻢ.
ﺃﻳﻦ ﻋﺰﺓ اﻹﺳﻼﻡ؟ ﻭﺃﻳﻦ ﻫﻲ ﺷﺨﺼﻴﺔ ﺃﻫﻞ اﻹﺳﻼﻡ؟ ﻫﻞ ﺫاﺑﺖ ﻓﻲ ﺧﻀﻢ ﻣﻐﺮﻳﺎﺕ اﻟﺤﻴﺎﺓ؟ ﺇﻧﻨﺎ ﺃﻣﺔ ﺫاﺕ ﺃﻣﺠﺎﺩ ﻭﺣﻀﺎﺭﺓ، ﻭﺗﺎﺭﻳﺦ ﻭﺃﺻﺎﻟﺔ، ﻭﺛﻮاﺑﺖ ﺭاﺳﺨﺔ، ﻭﻣﻨﻬﺞ ﻣﺘﻤﻴﺰ، ﻣﻨﺒﺜﻖ ﻣﻦ ﻛﺘﺎﺏ ﺭﺑﻨﺎ ﻭﺳﻨﺔ ﻧﺒﻴﻨﺎ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻭﺳﻴﺮﺓ ﺳﻠﻔﻨﺎ اﻟﺼﺎﻟﺢ.
ﻟﺴﻨﺎ ﺑﺤﺎﺟﺔ ﺇﻟﻰ ﺗﻘﻠﻴﺪ ﻏﻴﺮﻧﺎ، ﺑﻞ ﻏﻴﺮﻧﺎ -ﻓﻲ اﻟﺤﻘﻴﻘﻴﺔ- ﺑﺤﺎﺟﺔ ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﻳﺴﺘﻔﻴﺪ ﻣﻦ ﺃﺻﺎﻟﺘﻨﺎ ﻭﺣﻀﺎﺭﺗﻨﺎ، ﻟﻜﻨﻪ اﻟﺘﻘﻠﻴﺪ ﻭاﻟﺘﺒﻌﻴﺔ، ﻭاﻹﻋﺠﺎﺏ ﻭاﻟﻤﺠﺎﺭاﺕ ﻭاﻻﻧﻬﺰاﻣﻴﺔ، ﻭاﻟﺘﺸﺒﻪ اﻷﻋﻤﻰ ﻣﻦ ﺑﻌﺾ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻫﺪاﻫﻢ اﻟﻠﻪ، ﻭاﻟﻠﻪ ﻋﺰ ﻭﺟﻞ ﻳﻘﻮﻝ: {ﻭﻟﻠﻪ اﻟﻌﺰﺓ ﻭﻟﺮﺳﻮﻟﻪ ﻭﻟﻠﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ﻭﻟﻜﻦ اﻟﻤﻨﺎﻓﻘﻴﻦ ﻻ ﻳﻌﻠﻤﻮﻥ}
[ اﻟﻤﻨﺎﻓﻘﻮﻥ:8]
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم
أقول ما سمعتم وتسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على رسوله وعبده صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا
أما بعد:
فإن في توالي الأعوام عبرٌ وتذكرةٌ للمتذكرين , وفي أفول الأزمنة آيات للمتبصرين , سنوات تمضي على العباد , وأيام وشهور تنقضي من الأعمار , والعاقل من جعل هذه الآيات سبيلاً للتفكر, وميداناً رحباً للتبصر. { يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ } ( النور: 44)، أي غفلة أعظم من تمر الأعوام وتنقص الأعمار ولا تتأثر النفوس , ولا تتعظ القلوب؟!
إن دخولك في عام جديد – أيها المسلم– يعني زوال عام بأكثر من ثلاثمائة يوم قد مضى من عمرك , به ابتعدت عن دنياك , وقربت من قبرك , وآذن بلوغك الحساب , فينبغي أن يكون لهذا أثرٌ في النفس , ومراجعة في الحسابات – على أننا لا نعتقد أن لنهاية العام أو بدايته مزية أو أحكاما خاصة , بل هو تأريخ اصطلح عليه صحابة النبي عليه الصلاة والسلام لضبط أمور الناس – ولكنه في الوقت ذاته حَدَثٌ يتذكر به الإنسان , وأنه إيذان بانقضاء الزمان وذهاب الأجيال , وزوال الدنيا ونهاية الأعمار , ولكن لما رانت الغفلة على القلوب , وأثقل حب الدنيا كواهل النفوس ركنا لها , وظننا أننا فيها مخلدون .
عباد الله: إن تقارب الوقت والزمن وسرعة مروره دون فائدة علامة على قرب الساعة، فقد أخرج الترمذي عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : “لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَتَقَارَبَ الزَّمَانُ فَتَكُونُ السَّنَةُ كَالشَّهْرِ، وَالشَّهْرُ كَالْجُمُعَةِ، وَتَكُونُ الْجُمُعَةُ كَالْيَوْمِ، وَيَكُونُ الْيَوْمُ كَالسَّاعَةِ، وَتَكُونُ السَّاعَةُ كَالضَّرَمَةِ بِالنَّارِ ” (صححه الألباني) وفي رواية “وَتَكُونَ السَّاعَةُ كَاحْتِرَاقِ السَّعَفَةِ الْخُوصَةُ ” أي ورق الجريد اليابس، وعن أبي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:” يَتَقَارَبُ الزَّمَانُ وَيُقْبَضُ الْعِلْمُ وَتَظْهَرُ الْفِتَنُ وَيُلْقَى الشُّحُّ وَيَكْثُرُ الْهَرْجُ. قَالُوا: وَمَا الْهَرْجُ؟ قَالَ الْقَتْلُ” (متفق عليه) فهذه العلامة من علامات الساعة من أوضح العلامات وأظهرها اليوم؛ إذ أننا نشهد وقوعها اليوم ونراها واضحة جلية، فالوقت يمر على الناس بصورة سريعة تدعو للدهشة والتأمل، فلا بركة في الوقت؛ حتى يخيل إلى الواحد أن السنة كالشهر والشهر كالأسبوع والأسبوع كاليوم؛ ولا أصدق من وصف النبي صلى الله عليه وسلم. قال ابن حجر: قد وجد ذلك في زماننا هذا , فإننا نجد من سرعة مر الأيام ما لم نكن نجده في العصر الذي قبل عصرنا هذا .
قلت : كيف لو رأى زماننا اليوم ! فنحن اليوم نشهد بوضوح هذه المعاني لتقارب الزمان فلا يوجد بركة في الوقت وأصبح الناس يتحدثون عن السنوات وكأنها أشهر ناهيك عن الأيام والأسابيع !
عباد الله: إن الأعوام التي تنصرم سنسأل عنها أمام الله ، فعن معاذ بن جبل أن رسول الله قال: ” لنْ تَزُولَ قَدَما عبدٍ يومَ القيامةِ حتى يُسْأَلَ عن أَرْبَعِ خِصالٍ عن عُمُرِهِ فيمَ أَفْناهُ ؟ وعَنْ شَبابِه فيمَ أَبْلاهُ ؟ وعَنْ َمالِهِ من أين اكْتَسَبَهُ وفيمَ أنْفَقَهُ ؟ وعَنْ علمِهِ ماذا عمِلَ فيهِ .” [ الترمذي وحسنه الألباني]. وأخبر النبي أن الوقت نعمة من نعم الله على خلقه ولابد للعبد من شكر النعمة وإلا سُلبت وذهبت. وشكر نعمة الوقت يكون باستعمالها في الطاعات، واستثمارها في الباقيات الصالحات، فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنه: “نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ، الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ ” [البخاري ] ومعنى قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ) أيْ الذي يُوَفَّقُ لذلك قليلٌ فقد يكون الإنسانُ صحيحاً، ولا يكون متفرِّغاً لشغله بالمعاش، وقد يكون مستغنيًا، ولا يكون صحيحاً ، فإذا اجتمعا – الصحةُ والفراغُ – فغَلَبَ على الإنسان الكسلُ عن الطاعة فهو المغبونُ، والغبنُ أنْ تشتريَ بأضعافِ الثمنِ، وأنْ تبيعَ بأقَلّ مِن ثمنِ المِثْلِ .
الوقفة الأخيرة تابع قرأتها في الأسفل