مقال لطه حسين عن نقد التاريخ
مقالة لطه حسين عن نقد التاريخ
أهلاً بكم طلاب وطالبات في موقع النابض alnabth بمعلوماته الصحيحة نقدم لكم أفضل الأسئله بإجابتها الصحيحه كما نقدم لكم الأن أعزائي طلاب وطالبات العلم من من الدروس المقترحة والمتوقعة لهذا العام تحضير وتحليل وملخصات شرح وحل أسئلة الاختبارات والواجب المدرسي ونماذج الامتحان ومنهجية الاجابة وكما عودناكم أعزائي الطلاب والطالبات أن نقدم لكم إجابة السؤال القائل ___مقال لطه حسين عن نقد التاريخ
وتكون اجابتة الصحية
مقال لطه حسين عن نقد التاريخ
ما زلت أذكر هذا المقال الرائع الذي نشرته «السياسة» للأستاذ رفيق بك العظم منذ أسبوعين، ووعدت بالرد عليه، ثم حالت حوائل بيني وبين هذا الرد إلى الآن، ما زلت أذكر هذا المقال، وأريد أن أرد عليه، فإن الخلاف بين هذا العالم الجليل وبيني لا يتناول أشياء مفصلة فحسب، وإنما يتناول مبدأ عامًّا قبل كل شيء.
وقد عرف الناس رأي هذا العالم الجليل في هذا المبدأ، وأريد أن يعرف رأيي فيه، ولست أدري أأطمع في إقناع هذا العالم الجليل أم أيأس منه؟ لأن الخلاف بينه وبيني جوهري جدًّا، وشديد جدًّا، يذهب مذهبًا في التاريخ وفهمه، وأذهب مذهبًا آخر في التاريخ وفهمه، ويخيل إليَّ أن ليس إلى الاتفاق بين هذين المذهبين من سبيل.
لا يزال العالم الجليل رفيق بك العظم، وكثير من العلماء المعروفين في الشرق، يسبغون على التاريخ الإسلامي صفة من الجلال والتقديس الديني، أو الذي يشبه الديني، تحول بين العقل وبين النظر فيه نظرًا يعتمد على النقد والبحث العلمي الصحيح، فهم يؤمنون بمجد القدماء من العرب وجلال خطرهم وتقديس مكانتهم، وهم يضيفون إليهم كل خير، وينوهونهم عن كل شر، وهم يصفونهم بجلائل الأعمال، ويرفعونهم عن صغائرها، وهم يتخذون ذلك قاعدة من قواعد البحث، ومقياسًا من مقاييس النقد، فإذا أضفت إلى الرشيد شيئًا فليس هذا الشيء صحيحًا إلا إذا كان في نفسه خليقًا بالرشيد، يليق به وبمكانته، وليست هذه المكانة هي مكانته في نفسها، وإنما هي المكانة التي خلعها عليه القدم، وبعد العهد، وجلال الخلافة، وكرامة الدين، وسطوة الأمة العربية.
فأما النقد التاريخي من حيث هو نقد تاريخي، فأما النظر إلى الناس من حيث هم ناس، ووصفهم بما يمكن أن يوصف به الناس، وتحليل أخلاقهم وعاداتهم كما تحلل أخلاق الناس وعاداتهم، والملاءمة بين هذه الأخلاق والعادات، وما اكتنفها من الظروف والأحوال؛ فذلك شيء قلما يفكر فيه هؤلاء العلماء أو يلتفتون إليه.
ولست أغض من هؤلاء العلماء، وإنما أجلُّهم وأكرمهم، وحسبك أن إمامهم في هذا المذهب هو ابن خلدون، ولعلك تعلم أني أجل ابن خلدون وأكبره، ولكني أخالفهم في الرأي، وأرى أن مذهبهم في التاريخ غير مستقيم، وأنه خليق بأن يتغير، وأنه سيتغير بدون شك، بل أنا أرى أكثر من هذا، أرى أن هذا المذهب — مذهب تقديس السلف وتنزيهه عن الصغائر، مذهب إسباغ الدين على التاريخ — طور من أطوار التاريخ لا بد من أن يمر به، بل طور من أطوار الحياة العقلية والسياسية للناس، لا بد من أن يمروا به، وقد خضعت لهذا الطور أمم أخرى غير العرب، فكتب مؤرخوها كما يكتب الأستاذ رفيق بك العظم، ورأوا في الآباء والأجداد ما يرى في قدماء العرب.
ذلك أن هذه الأمم إذا اضطرتها صروف الحياة إلى أن تنزل عن مجدها، وتنحط عن مكانتها العالية، فتخضع لخطوب الدهر حينًا، وتنام عن العزة والسلطان، ثم استفاقت من هذا النوم، وتنبهت بعد الغفلة، وطمحت إلى أن تسترد المجد القديم، وتستأنف سيرها في سبيل العلياء، فأول شعور تجده في نفسها إنما هو الشعور بهذا المجد القديم، والحاجة إلى إجلال أصحابه وإكبارهم واتخاذهم مُثلًا عليا.
فأنت لا تنظر إلى هؤلاء الناس نظرًا علميًّا مجردًا بريئًا، وإنما تنظر إليهم نظرًا متهمًا، ملؤه الإعجاب والإكبار، لأنك تتأثرهم، وتحتذي على مثالهم، وإذن فرأيك فيهم غير صحيح، وحكمك لهم أو عليهم متهم، وكيف تستطيع أن تجمع بين الإعجاب الذي لا حد له، وبين النقد العلمي الذي لا يعرف الهوى، ولا يتأثر بالميول والعواطف؟! ومن هنا يتأثر بحثك ونقدك بهذا الإعجاب، وهذا الميل إلى الاحتذاء والتقليد، فتصرف همتك إلى أن تبرئ موضع إعجابك من كل عيب، وتدفع عنه كل مكروه، وتبذل ما تستطيع من قوة وجهد، لتوجد فنًّا من النقد التاريخي له قيمته وخطره.
ولكن الغاية التي يسمو إليها ليست علمية بالمعنى الصحيح؛ لأنه يسمو إلى التنزيه والتمجيد، لا إلى التحقيق الذي لا يسمو إلى مدحٍ ولا إلى ذم، والذي لا يحفل بحمدٍ أو هجاء.
انظر إلى مقدمة ابن خلدون، وإلى القسم الأول من هذه المقدمة، انظر بنوعٍ خاص إلى منهجه التاريخي، وإلى هذا النقد الذي بسطه ليبين أغلاط المؤرخين وتورطهم في ضروب من الخطأ في الحكم، تجده قد تصور قواعد علمية لا بأس بها؛ فهو يكره الغرض والهوى، ويحذر من أخطار كثيرة تحيط بكاتب التاريخ، ويحبب إليك، أو يحتم عليك، تحكيم العقل فيما يروى لك من الحوادث، وهو يصل من هذا كله إلى استكشاف قوانين قيمة في النقد التاريخي، ولكنه لا يكاد يعرض لتطبيق هذه القوانين كما يقولون، حتى يتورط في مثل ما تورط فيه المؤرخون من قبل؛ لأنه متأثر بمجد القدماء، وصلاح القدماء، وطهارة القدماء، وانحطاط المعاصرين، وفساد أخلاقهم وأحوالهم.
فهو إذا أراد مثلًا أن يصحح نسب الدولة الإدريسية في المغرب الأقصى لم يعمد إلى بحث تاريخي، وإنما استدل على صحة هذا النسب بحديثٍ شريف، فيه أن الولد للفراش وللعاهر الحجر، وهو إذا أراد أن يدفع عن الرشيد ما اتهم به من العبث والمجون، لم يذهب مذهب المؤرخين في ذلك، وإنما تحدث إليك بأن الرشيد كان يصلي مائة ركعة في اليوم، وكان يحج سنة ويغزو سنة أخرى، وإذا كان هذا شأنه فليس من الممكن أن يعبث، ولا أن يلهو.
ولم يفكر ابن خلدون في أن من حق مؤرخ آخر، أن ينكر عليه أن الرشيد كان يصلي مائة ركعة في اليوم، أو أن يزعم له أن الرشيد كان يجمع بين الصلاة وبين العبث، ولم يخطر ذلك لابن خدلون؛ لأن ابن خلدون كان يعجب بالرشيد ويكبره، ويريد أن يضعه هو وأمثاله من الخلفاء موضع القدوة الصالحة والمثل الأعلى
ولقد أذكر رسالة صغيرة قرأتها للمؤرخ اليوناني «بلوتارك Plutarque» قصد بها إلى نقد «هيرودوت Hérodote» واتهمه فيها بالكذب والافتراء، وكان لهذه الرسالة في العصر القديم شهرة أساءت إلى «أبي التاريخ» فظن فيه الناس الظنون؛ لأنه اتهم قدماء اليونان وأبطالهم في الحرب الفارسية اليونانية بالنقائص المختلفة، فوصف بعضهم بالخيانة، وبعضهم بالغدر، وبعضهم بالجبن، وبعضهم بالرشوة، ونهض «بلوتارك» للدفاع عن هؤلاء الأبطال فزعم أن «أبا التاريخ» كاذب، وأن هؤلاء الأبطال أرفع مكانة، وأعلى منزلة، وأجل خطرًا، من أن يقعوا في مثل هذه الآثام.
وفتن اليونان بهذا النقد؛ لأنه يبرئ الآباء والأجداد من هذه النقائص، فلما كان العصر الحديث، وكان استكشاف الآثار اليونانية، وكان استكشاف مناهج النقد الحديثة في التاريخ، ظهر أن «هيرودوت» لم يكذب ولم يتكلف، وأن «بلوتارك» هو الذي تكلف تقديس الناس وتبرئتهم مما لا يبرأ منه الناس.
وليس هذا بغريب؛ فقد عاش «أبو التاريخ» في أيام مجد اليونان وعزتهم، فلم يكن يؤذيه، ولم يكن يؤذي اليونان، أن يصف أبطالهم بما لا يسلم منه الناس من العيوب، وعاش «بلوتارك» أيام ذلة اليونان، وانحطاطهم السياسي، فكانت هذه النقائص تؤذيهم، وكانوا محتاجين إلى المبالغة في مجدهم التليد حين أعوزهم المجد الطريف.
هذه حالنا … ليس لنا مجد ولا مأثرة؛ فنحن ننتحل مجد الآباء والأسلاف زينة لنا وافتخارًا، ويخيل إلينا أن وصف هذا المجد بأوصافه الطبيعية لا يغض من الأسلاف وحدهم، وإنما يغض منهم ومنا، أليس كذلك؟ وإلا فما مفاخرتنا بالعرب؟ وما مفاخرتنا بالفراعنة؟ وما مفاخرتنا بآثار العرب والفراعنة؟ ضرب من الغرور، نخفي به ما نحن فيه من جهلٍ وانحطاطٍ وضعف.
لقد كان رواة العرب ومؤرخوهم الذين عاشوا أيام مجد العرب وعزتهم، لا يكرهون أن يصفوا خلفاء العرب وأمراءهم، بما يتصف به الناس من نقص؛ لأن هذا الوصف لم يكن يؤذيهم، ولا يؤذي العرب في أيامهم، وحسبك أن تقرأ، لا أقول كتابًا بعينه، وإنما أقول في أي كتاب من كتب الأدب والتاريخ، لترى خلفاء العرب وأمراءهم وذوي المكانة فيهم، يوصفون بالخير والشر، وبالرفعة والضعة، بما هو مشرف وبما هو مُزْرٍ؛ ذلك لأن هؤلاء الناس كانوا ناسًا لا ملائكة.
يقول الأستاذ وأصحابه: إن هذه الأخبار مختلفة منتحلة، وأنا أول من يعترف بأن كثيرًا من الأخبار مختلق منحول، ولكني لا أستطيع أن أومن بأن كل خير يصف القدماء بما لا يرضي منحول، وأن كل خبر يصفهم بما يرضي صحيح.
هذا إسراف، وإسراف كثير، وإنما القصد والإنصاف هو أن تعرض لهذه الأخبار المختلفة بالنقد والتمحيص، فتتبين بقدر ما تستطيع ما كان منها صادقًا، وما كان منحولًا، وأنا أزعم أن كثيرًا جدًّا من هذه الأخبار صادق، وأزعم أن كثيرًا جدًّا من خلفاء بني أمية وبني العباس كانوا كما يقول الرواة يعبثون ويصطنعون ضروب اللهو، ويستمتعون بفنون من اللذات كان يكرهها الدين، لقد كان «أغسطس» و«نيبريوس» و«نيرون» كبار الكهنة في روما، ولكنهم كانوا قياصرة أيضًا، فكانوا يؤدون للدين حقه، وكانوا يؤدون للدنيا حقها.
يتبع في الأسفل